الثقافة تغيرت..!
كيف تغيّرت مفاهيم الثقافة في عصرنا الحديث؟
في زمن لم يعد يشبه الأمس، تغيّرت الثقافة… ولم تعد كما كانت. ما نعيشه اليوم هو تحوّل جذري في مفهوم الثقافة، طريقة إنتاجها، تداولها، وحتى فيمن يُعتبر “مثقفًا”. فهل نحن أمام تطور طبيعي؟ أم أزمة هوية ثقافية عالمية؟
من الثقافة الورقية إلى الشاشة
في الماضي، كانت الثقافة تُنتج من نُخبة فكرية محدودة: كتب، صحف، محاضرات جامعية، ندوات فكرية… أما اليوم، فكل شخص لديه هاتف ذكي يمكن أن يصنع محتوى « ثقافيًا »، سواء أكان معلومة، رأيًا، أو حتى قصة قصيرة على « ستوري إنستغرام ».
الثقافة لم تعد حكرًا على الكتب، بل أصبحت تتنفس عبر الفيديو، الصوت، والبوستات القصيرة.
وهنا يتغير سؤال « ما هي الثقافة؟ » إلى « من يُقرر ما يُعتبر ثقافة؟ ».
مثقفو اليوم: من المفكر إلى المؤثر
في السابق، كان « المثقف » هو من يمتلك مشروعًا فكريًا ورؤية تحليلية عميقة. أما اليوم، فقد تراجع هذا النموذج أمام ثقافة المؤثر، حيث أصبح من يملك متابعين أكثر، هو من يؤثر أكثر، حتى في القضايا الاجتماعية والفكرية.
لكن:
-
هل الشهرة تساوي العمق؟
-
هل التأثير اللحظي يمكن أن يُحدث تغييرًا فكريًا طويل الأمد؟
البعض يرى أن هذه التحوّلات أفرغت الثقافة من مضمونها، بينما يرى آخرون أنها فتحت أبوابًا جديدة للتعبير الشعبي والتنوع.
الثقافة صارت بصرية وسريعة
نحن في عصر « المعلومة السريعة »، حيث لم يعد القارئ يمتلك الوقت لقراءة مقال طويل أو كتاب معقد. صار يُفضل « الملخص »، « الاقتباس »، « الفيديو القصير ».
-
الصورة صارت تسبق الكلمة.
-
التصميم يسبق المضمون.
-
التفاعل (اللايك والشير) صار معيار النجاح.
وهنا يصبح السؤال:
هل فقدنا العمق لصالح السطحية؟ أم أن الثقافة ببساطة غيّرت أدواتها؟
الذكاء الاصطناعي يعيد كتابة الثقافة
دخلت أدوات الذكاء الاصطناعي على الخط، لتنتج نصوصًا، لوحات، وألحانًا. لم تعد الثقافة فعلًا إنسانيًا خالصًا، بل صار يُشارك فيه « الروبوت ».
-
هل الذكاء الاصطناعي يثري الثقافة أم يهدد أصالتها؟
-
هل نعيش بداية « ما بعد الثقافة البشرية »؟
ثقافات متعددة… وصوت عالمي واحد
من جهة، نحن نعيش تعددية ثقافية غنية: الهويات الأصلية، الأقليات، المهاجرين، البيئة…
لكن في نفس الوقت، هناك صوت عالمي مهيمن يُشكّل الذوق العام عبر المنصات الكبرى (TikTok, YouTube, Netflix…).
أصبح الجميع يلبس نفس الملابس، يسمع نفس الأغاني، يضحك على نفس النكات… حتى في مدن تبعد آلاف الكيلومترات.
هل تغيرت الثقافة فعلًا… أم نحن من تغيرنا؟
ربما لم تتغير الثقافة، بل نحن من تغيرنا:
-
تسارعنا،
-
استهلاكنا للمحتوى،
-
حاجتنا للانتماء السريع،
-
وخوفنا من التعمق والاختلاف.
لكن يبقى السؤال الأهم:
هل ما نعيشه اليوم يُبشّر بمستقبل ثقافي متجدد، أم بانحدار قيمي ومعرفي؟
الثقافة تغيرت.
لكنها لم تمُت… بل فقط لبست ثوبًا جديدًا.
ثقافة اليوم تحتاج أن نفهمها لا أن نحاكمها فقط. فهي مرآة لعصرنا، بكل ما فيه من ضجيج وتعدد وسرعة.
المثقف الحقيقي اليوم، ليس من يرفض هذه التغييرات، بل من يفهمها، ويُعيد تشكيلها بروح نقدية خلاقة.